19 مارس، 2008

قنوات الزواج

تقرير: علي المزايدة

قنوات امتهنت الربح غير المشروع والضحك على الصالح قبل الطالح من ضعاف العقول والطامعين، قنوات فضائية انتشرت محسوبة على الإعلام الذي من المفترض أن يكون موجهاً إلى الرأي العام للخلق والفضيلة، هذه (الدكاكين) تُمارس فيها التجارة بالمرأة عبر نشر مواصفات لها هي في الأصل وليدة الأفكار السيئة وصنيعة أيدي القائمين على هذه القنوات التي أطلق عليها (محطات الزواج والمسيار) بهدف الإيقاع بالرجل.
وتركز هذه القنوات على المرأة السعودية تحديداً، وتظهرها في أسوأ صورة، في مسعى لإثارة غرائز الرجال، وتظهر - أي القنوات - بأنها قشة الأمل التي تلوح للغريق، إلا أنها في الواقع ليست سوى حلم في زمن غدت فيه تجارة الأحلام أحد أكثر الأعمال رواجاً.

أين الخلل؟!
هي: مطلقة شقراء، عيناي زرقاوان، طويلة، ستايل أوروبي، عمري 29 سنة، رومانسية، أعشق السفر والرحلات، أنوثتي طاغية، أقدر الحياة الزوجية، لماحة، أعتني بزوجي وبيتي، أهوى الموسيقى والضحك والرقص الشرقي والفرفشة، لا أحب النكد ولا المشاكل، ثرية. أرغب برجل متين ذي بنية قوية رياضي، يقدرني ويحترمني.
هو: مطلق عمري 35 سنة، وسيم، طويل، ذو جسم رياضي، حنون، أقدر المرأة وأحترمها، موظف دخلي ممتاز، أحب السفر، أرغب بامرأة أرملة أو مطلقة ثرية أو موظفة جميلة هادئة رومانسية.
هذه وغيرها من المواصفات التي ينشرها كلا الجنسين على القنوات التي في ظاهرها وسيلة للزواج والعفة و(العفاف)، والتي يناقض فيها كل منهما الآخر، وهي تجعل المتابع يتساءل: امرأة بتلك المواصفات، لماذا طلقها الرجل؟! وعلى الجانب الآخر، رجل يقدر المرأة ويحترمها ويتعامل معها برقي، لماذا هربت من منزله امرأة؟!

فضول!
قادني الفضول إلى خوض غمار التجربة والوقوف على ما يجري في هذه القنوات، ومدى المصداقية فيما تروّج له من خلال نشرها مثل هذه المواصفات، وتابعت إحدى هذه القنوات! وعلى مدى ثلاثة أسابيع قمت خلالها بإرسال واستقبال أكثر من 1500 رسالة تداولتها مع عدد ممن يفترض أنهن نساء وطالبات للزواج ركزت في البداية على فئة المطلقات والأرامل ممن يدعين الثراء، واللاتي عملت القناة على توزيعهن على كل المنطقة الجغرافية للمملكة؛ وذلك بهدف حث الرجال على التواصل الدائم مع هذه الفئة من خلال القناة.

يا الغالي
كانت كل واحدة منهن ألقي عليها التحية: (صباح الخير، مساء الخير)، من خلال رقمها، تردّها وتضيف عليها كلمة (يا الغالي)؛ أملاً في تواصل آخر ومبادرة أخرى؛ وبالتالي رسالة جديدة (خمسة ريالات)!
ما لفت انتباهي خلال تواصلي مع هذه الفئة أنه عندما تطرح على إحداهن سؤالاً تجيبك بسؤال آخر؛ مما يضطر المتواصل معهن إلى الاستمرار في هذا النهج. وأذكر أني تواصلت مع إحداهن طيلة فترة الأسابيع الثلاثة التي قضيتها نزيل هذه القناة من خلال أكثر من 300 رسالة طرحت من خلالها أسئلة عدة، غير أني لم أتلق أي إجابة عنها؛ فهي التي تسأل فقط وفي كل رسالة سؤال واحد فقط وأنا لا أملك إلا الإجابة!
والسؤال: أي امرأة تلك التي تعرض معلوماتها على هذه القناة طالبة الستر - كما يدعي أغلبهن - وتطمح إلى إيجاد زوج ولا تتفاعل مع مشروع هذا الزوج المغفل مثلي.. وما أكثرهم؟!

موافقة جماعية
تمكنت - من خلال التواصل الدائم مع فئة اللاتي يدعين الثراء - من الحصول على موافقة خمس عشرة امرأة. عندها أيقنت أن هناك شيئاً خطأ؛ مما دفعني إلى أن أتواصل مع خمس أخريات، ولكن في هذه المرة أرسلت رسالة واحدة في زمن لا يتجاوز الدقيقتين في الساعة الرابعة صباحاً، وتوالت ردودهن جميعاً بعد ذلك بأقل من نصف ساعة، وحملت جميعها كلمة: (مساء الحب والهنا)، وغفل مرسلها أن الوقت صباح، وأن الرسالة حملت نفس العبارات!
أجبرت بعدها على التواصل مع هذا العدد الهائل من اللاتي يفترض أنهن من النساء (عشرون امرأة أبدين موافقتهن على الزواج مني).. يا فرحتي، ويا هناي...!!
لم يبق إلا أن أتواصل مع هذا العدد الكبير بشكل مباشر لأتفق معهن على إتمام الزواج، وهذا الاتفاق يلزمه حديث مباشر للخوض في تفاصيله.

سراب
أرسلت رسالة أطلب هواتفهن، وكنت مدركاً في قرارة نفسي بأنني أركض خلف سراب، ولن أحصل على شيء، وفعلاً هذا ما حصل... لا شيء!! تساءلت ما الذي يجري.. ولماذا؟!
الآن لا تواصل من طرفي، إلا أنه ما زالت تردني رسائل على شكل أسئلة، تحمل عبارات: ليش مستعجل؟، مو الحين؟، متى وكيف؟ إيش رأيك في اللي قلته؟ رغم أنني لم أتواصل مع أي منهن ولم أتطرق إلى ما يثير هذه التساؤلات التي توقفت عن التواصل مع أصحابها أصلاً.

زبدة
لاحظت أن القناة تركز في نهاية الأسبوع، وتحديداً أيام الأربعاء والخميس والجمعة، على فئة من تدّعي هذه القناة أنهن مطلقات ثريات، وعلى عمر محدد من 28 حتى 45، وكذلك ممن يوصفن بالجمال الفاتن والأنوثة الطاغية وهواة الرقص الشرقي. إحداهن تقول إنها (زبدة)، ولكم أن تتخيلوا كم هو وقع هذه الوصفة المثيرة على الرجال، وثانية (جنسية)، وثالثة (مربربة)، ورابعة، وخامسة، وسادسة.. إلخ، وكذلك منهن من يشترطن كتم السر في علاقة يطلق عليها (زواج سري)، - لا أعرف ما المقصود به - لكن إن صح وجودهن فعلاً فإنما يعني ذلك دعوة صريحة لممارسة (الدعارة) عبر هذه القناة..!!

امرأة للبيع
بعد هذه التجربة المريرة أيقنت أن هذه القناة تتلاعب بالمشاهدين وتأكدت أنها لا تملك عبارات الصدق، وكل ما تسعى إليه هو الكسب غير المشروع من خلال تركيزها على مكامن الغريزة في النفوس وامتهان المرأة وعرضها للبيع بهذه الطريقة الرخيصة..! وبات جلياً أن ما تعرضه هذه القنوات من مواصفات ما هو إلا محض افتراء على المرأة وإساءة متعمدة إليها هدفها استدراج الرجال إلى فخ نصب بإحكام..!!

ليست هناك تعليقات: