28 أكتوبر، 2011


رشاد أبوشاور

أنا لا أصدّق حرص دول مجلس التعاون الخليجي على دم الشعب السوري، ولهفتها على منحه ديمقراطية تتناقض مع دولها العشائرية الوراثية، وحرصها على تمتعه بفضاء رحب للحرية التي هبّ بحراكه لنيلها، والتي طالما أنشد لها منذ: يا ظلام السجن خيّم..حتى هذه اللحظة التي يتساقط فيها الشهداء من أبناء هذا الشعب العريق.
لا أصدق أبدا أن دول مجلس التعاون سحبت سفراءها احتجاجا على سفك دم المتظاهرين السوريين السلميين، وأنها لجأت لهذا القرارالديبلوماسي انطلاقا من عراقة ديمقراطيتها التي تبّز ديمقراطية السويد، وشفافية أنظمتها التي بنتها على مدى عقود بصناديق الاقتراع، والتناوب على السلطة، وتمتع (شعوبها) بكل ما يكفل الحياة الكريمة التي تحسدها عليها (الشعوب) العربيّة الشقيقة، و..الإسلامية المستعبدة المتشوقة للتمتع بهكذا ديمقراطية هي انعكاس لتعاليم القرآن الكريم، ونهلاً من الآية الكريمة: وأمرهم شورى بينهم!..ومن مقولة سيدنا عمر بن الخطّاب: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا!
لأكثر من سبب أجدني مستريبا جدا، متشككا إلى أبعد الحدود بخلفيات دعوة وزراء دول مجلس التعاون لاجتماع طارئ للجامعة العربيّة لدراسة الأوضاع في سورية!
نعم..أجدني هازئا إلى حد الضحك الصاخب من دموع التماسيح التي تترقرق في عيون تمثّل ميلودراميا، وكلماتها تتناقض مع ما اعتدناه من فعل أيديها المسلحة بما حزّ أوردة أماني وأحلام وتطلعات أمتنا منذ أطلق جمال عبد الناصر صيحته عالية لملايين العرب المستعبدين: ارفع رأسك يا أخي فقد ولّى عهد الاستعباد.
ولعلي من قبيل التذكير أتساءل: من أسهم في ذبح أول وحدة عربية، وحدة مصر وسورية، وموّل فصل القطرين الرائدين في أوّل وحدة شكلت بداية الرّد على سايكس ـ بيكو؟!
من جيّش المرتزقة لوأد ثورة اليمن التي قادها الفريق عبد الله السلاّل، واستنزف طاقات الشعب اليمني، وقدرات مصر الناصرية، وجيشها الذي دفع به لحماية ثورة شعب اليمن، وإخراجها من العصور الحجرية إلى زمن الحرية، ونقله من الظلام إلى النور، ووضع مفاتيح صنعاء، ومستقبل اليمن في يده، لا في يد الإمام أحمد حميد الدين ونسله؟! (كان الإمام يغلق أبواب صنعاء السبعة مساء كل يوم، ويضع المفاتيح عنده في (طاقة) خاصة، ثمّ يسلّم المفاتيح لزبانيته لتفتح الأبواب من جديد، وهكذا دوليك!)
من تآمر على العراق، وموّل وأطال حربه مع إيران، ثمّ استدار عليه واستنزفه، وورطه في أتون الحرب الأمريكية الإجرامية التي دمرت قدراته، ومزقت شعبه، وأدخلته في صراع طائفي بقيادة أدوات أمريكا المحليين الذين عادوا (محررين) في ظلال الدبابات؟!
ومن من القواعد الأمريكية ..من أرضه، انطلقت الطائرات ودمّرت العراق و..أعادته للعصور الحجرية كما وعد رامسفلد وبوش وشوارزكوف؟!
من يبدد الثروات المليارية بلا حسيب ولا رقيب، في حين يعيش الشعب مع (القرود) في عصورما قبل الحضارة؟! ومن يبدد المليارات في حين لا يجد ملايين شباب العرب عملاً، ولا ينفتح أمامهم سوى مستقبل مظلم ..يدفعهم للقنوط، والمخدرات، والغيبيات، والدروشة، و..الانفجار دون تفكير؟!
من يبّث اليأس من الوحدة العربيّة؟!
من يتآمر على فلسطين قضية العرب الأولى، خدمة للصهيونية، والهيمنة الأمريكيّة، وإنهاء لعامل اليقظة العربي الذي يوحد أفكار، وتطلعات، ومشاعر.. ملايين العرب، ويدفعهم للحكم على المتآمرين، والمقصرين، والعابثين؟!
على من ينطلي خطاب الحرص الزائف على دم الشعب السوري، بينما لم نسمع هذا الخطاب عندما انتفض شعب البحرين مطالبا بالعدالة والمساواة، ورأينا الدبابات الرشيقة السريعة كالبعارين والنوق تندفع إلى المنامة لتبطش بشعب ثار على الظلم، والتمييز، والتفرقة، والنبذ؟!
كيف نصدّق أن من لا يوجعه، ويقلق منامه، دم شعب اليمن العظيم الذي يسفكه (رجلهم) علي عبد الله صالح..يمكن أن يقفز في الفضاء عابرا المسافات، ليتلو خطاب حزنه وغضبه الغريب العجيب على دم شعب سورية، و..مصير سورية، ومستقبل سورية؟!
لم يكتف هؤلاء بما اقترفته أيديهم بالعراق وشعبه وأرضه وثرواته، وتقديمه لقمة سائغة للأمريكان والصهاينة الذين يعبثون بأمنه ووحدته الترابية؟!
(عقليتهم) النفعية تشتغل بالقطعة، وهم لا يراجعون الحسابات فلهم اللحظة التي هم فيها..فهم ينفذون ما يؤمرون به، فلمنافع النفط ثمنها، وللرفاهية والأرقام المالية الفلكية دوارها المدوّخ..فما أهمية العروبة، وفلسطين، ووحدة الأمة؟!
هم سيجدون من ينظّر لهم من مرتزقة الكتابة، الذين أقلامهم وجدت دائما للبيع لمن يدفع، فلا شرف للكلمة، ولا مصداقية، ولا أخلاق..فمثل هذه القيم عندهم دقة قديمة، وسلاح الدراويش الهبايل المساكين الذين لا يعرفون كيف يدبرون أمورهم..ويهتبلون الفرص!
كيف لنا أن نصدق من لا تعرف (دولهم) حرية الأحزاب، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني..ومن لا يسمح في(قائدتها) بقيادة المرأة للسيارة؟!
هل تعرف دساتيرهذه الدول شيئا عن حرية أحزاب، وحرية الصحافة، وسيادة القانون، والانتخابات الحرّة على كافة المستويات، وتناوب السلطة؟! كل هذا لا يعرفه من أيقظوا الجامعة العربية الميتة (إكلينيكيا) منذ عقود، ودفعوها لعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب لبحث الموضوع السوري..وليس اليمني، أو البحرين، أو الليبي، أو..تهويد القدس التي تضيع على مرأى حماة الإسلام ، وسدنة مكّة المكرمة! (ألا تستحق كل هذه الأزمات الدعوة لاجتماع عاجل يناقشها دفعةً واحدة..أم إن هذا لا يرضي أمريكا؟!)
لسنا مغفلين لنصدق التباكي على الشعب السوري، وإذا كان هناك في (المعارضة) السورية من يتلهف على التدخل في الشأن السوري خليجيبا، وغير خليجي، ويصفق لكل خطوة باتجاه التدخل في الشأن السوري، فإننا نرى بأن السعي لدفع مجلس الجامعة اتخاذ قرارات ـ لم تصدر بالضبط كما يشاؤون ـ تمهد، وتشكل غطاء لقرارات أمريكية ـ أوروبية تبيح التدخل للناتو، وتبدأ بمنطقة عازلة، ومنع تحليق الطيران السوري، ثمّ ..حماية المدنيين و..البدء بتدمير سورية..والمعارضة غير الوطنية ترحب، ومعارضو التلفزات يتلهفون، بينما تريد دول الخليج أن تذهب إلى أبعد بكثير من مطالب الشعب السوري..فمحاصرة إيران، وعزلها تبدأ من سورية، أي من تدمير سورية، فهكذا تتم عملية بتر أصابع إيران، وتقليص قدراتها، وعزلها عن حزب الله.. أما سورية، وشعبها، وعروبتها، ومستقبلها فلتلحق بالعراق..وعقلية البداوة لا تأبه بمصائر الأقطار العربية العريقة، التي وجدت ما قبل اكتشاف النفط بألوف السنين، والتي نشأت الحضارة في مهادها، وتحت شمسها، وترعرعت في أحصان فراتها وبرداها و..أردنها ونيلها الذين يريدون ضمهما لمجلس التعاون الخليجي لاستخدام جيشيهما في الحرب الأمريكية الصهيونية على إيران!
ترى: هل تنطلي أكذوبة الحرص على دم الشعب السوري على من يتظاهرون في شوارع المدن السورية مطالبين بحقوقهم في السيادة في وطنهم، والتمتع بالحرية والديمقراطية وإنهاء الفساد؟!
سورية في خطر، واستمرار الخيار الأمني في مواجهة الحراك الشعبي السلمي، سيؤدي مع انحراف بعض المعارضة لحمل السلاح..بسورية إلى الهاوية..هاوية الاقتتال الطائفي، ناهيك عن التدخل الخارجي الذي تنادي به أصوات معارضي الفضائيات..جلبيي سورية الجدد!
شعب سورية يريد حقوقه، والمماطلة، وعقلية الحل الأمني لن توقفه عن التضحية في سبيل هذه الحقوق.
إفشال مخطط التدخل الخارجي في يد نظام الحكم في سورية: إنه يبدأ من التوقف فورا عن الحل الأمني، والشروع بمنح الشعب السوري كافة حقوقه بدون مماطلة..فهذا الشعب هو الذي يحمي سورية من المخططات الخارجية عندما ينال حريته. 

ليست هناك تعليقات: