11 يناير، 2012

شاي أخضر

الكاتب: محمد الشوّا


استناداً إلى تصريح المفتي العام، صوت البرلمان على مشروع قرار يحظر على النساء شرب الشاي الأخضر. وانقسم الشعب إلى قسمين: قسم ناقم على القرار ويصيح بضرورة مراجعته. وكالعادة، قسم يشعر بالرضا التام والدعم المطلق لولاة الأمر فيما فيه مصلحة العباد والبلاد لمواجهة خطر الشاي الأخضر على أخلاق نسائهم. لا لأنهم يعلمون صواباً من خطأ، ولكن لأن الحاكم “أبخص”!

تستيقظ في الصباح وتفتح بريدك الإلكتروني لتقرأ “16 سبباً لمنع المرأة من الشاي الأخضر” و “الشاي الأخضر بين الحق والباطل” و “سوء الخاتمة والشاي الأخضر” وتختم بالقصة القصيرة “جواهر وفناجين”. محتواها يبدو مقنعاً لفئة معينة، فشرب الشاي الأخضر للمرأة ينزع عنها الحياء والحشمة ويؤدي لتمرّدها على أهلها، خصوصاً إذا كانوا يفضلون القهوة. بالإضافة إلى مزاحمة الرجال والاختلاط بهم في محلات بيع الشاي وهو ذريعة لوقوع المنكر والعياذ بالله! أيضاً من لوازم شربه للنساء كشف الفم وإبداءه للرجال مما يفضي إلى الفتنة والرذيلة. ثم إن السماح يؤدي إلى ازدياد حاد في عدد الأكواب وهو إضرار عظيم بالبيئة. ثم أنه لو سقط فنجان الشاي وانكسر، فستحتاج المرأة لمساعدة رجل أجنبي لإزالة الحطام، والذي قد يساومها على عفّتها في المقابل. وفي النهاية يأتي السؤال المحرج: “ترضاه لأختك؟!”


وتستمر تداعيات القرار في التتابع، فتظهر قائدة المتمردين في تسجيل مصوّر تعلن أنها لم ولن تتوقف يوماً عن شرب الشاي الأخضر وأنها ستناضل من أجل حرية الشرب بكرامة حتى آخر قطرة وتعلن عن حملة “سأشرب فنجاني بنفسي” وهي عبارة عن حفلة شاي أخضر جماعية بعد صلاة الجمعة. وفي ردّ على هذا المقطع يظهر قائد الرجاجيل حاملاً فنجاناً من الشاي الأخضر الساخن: “هذا الشيء من حقنا نحن… ولن نسمح لكم بالتفكير في شربه. سنوقف التمرد عند حده وسنكسّر الفناجين فوق رؤوسكم!”

في يوم الجمعة الموعود تداهم الشرطة احتفال الشاي وتعتقل كل المتورطين في العمل الغير أخلاقي وتحيلهم إلى التحقيق في مسببات هذا التصرف لبحث إمكانية ارتباطهم بأجندات خارجية تدعم الامتداد الأخضر، وتم توقيع المعتقلات على تعهد بعدم شرب الشاي الأخضر بأي حال من الأحوال. ويستمر الخلاف الأزلي بين المحافظين والليبراليين حول الأزمة. ففي مقابل التأييد اللليبرالي لحق المرأة في شرب الشاي الأخضر، يرى الحزب المحافظ أنها مؤامرة مجوسية صهيوأميركية ملحدة مغرضة تهدف للنيل من عفة المرأة وكرامتها بأن تجعلها تقف خانعة ذليلة في طوابير الشاي بدلاً من كونها جوهرة مصونة ولؤلؤة مكنونة. في الوقت نفسه يدعون وليّ الأمر ليضرب بيد من حديد على كل من تسوّل لها نفسها مخالفة قانون الشاي، لحفظ الأمن والأمان وسيادة القانون. مع أننا لم نعهد من الحزب مواقفاً بهذه الحدة تجاه مختلف الحروب والثورات والفيضانات والفساد المستشري… لكن هم “أبخص!”

ولكيلا يتدهور الوضع ونصل يوماً لمنع الهواء والماء، تستمر معركة الشاي الأخضر دائرة في أحد الأقطار، ليس حبًّا في الشاي الأخضر ولا غيظاً للمحافظين، بل كمؤشر لعدالة المجتمع وقدرته على صب الشاي الأخضر في فنجان كل مواطن ومواطنة دون تمييز أو تحقير.

المصدر

ليست هناك تعليقات: